Wednesday, May 6, 2009

اليمن:هل يضحي الرئيس بالكرسي من أجل الوحدة أم يضحي بالوحدة من أجل الكرسي؟


منير الماوري

almaweri@hotmail.com


هل هذا هو المقال الذي صودرت بسببه المصدر؟

عندما أكتب عن القضية الجنوبية تصلني رسائل عبر البريد الإلكتروني يتهمني فيها أصحابها بالوقوف مع الانفصال ضد الوحدة. والواقع أني اعتبر نفسي أكثر وحدوية من يرفعون شعار الوحدة وهم يمارسون الانفصال في أقبح صوره. ولذلك فإني أحاول قدر إمكاني أن أتضامن مع قضايا أبناء الجنوب خوفا على الوحدة لا وقوفا ضدها. وأعتقد أن لا مصلحة لي في الانفصال أبدا لأن التشطير إذا ما وقع لا سمح الله فلن أكون مقبولا حتى لاجئا سياسيا في الجنوب، ولن ألوم الأخوة في الجنوب على عدم قبولي أو قبول غيري من أبناء الشمال لأن صنعاء لم يخرج فيها متظاهر واحد حتى الآن تضامنا مع أبناء الجنوب، الذين تقصف منازلهم بالمدفعية والصواريخ، في ردفان وأبين والضالع.

لقد توصلت إلى قناعة منذ عام 1993 وربما يتفق معي فيها كثيرون بأن الوحدة اليمنية حدث عظيم لكنها بليت برجال صغار وأفراد عصابة من الأقزام يتولون مناصب عالية، ولا يدركون معنى الوحدة، لذلك خربوها بالدم بدلا من تعميدها بالحب والإخاء. وأعتقد أن الرئيس علي عبدالله صالح هو كبير هؤلاء، وقد فوت على نفسه فرصة ذهبية عام 2006، في الحفاظ على الوحدة اليمنية، عندما تراجع عن قراره ترك الرئاسة، لأنه وقتها كان سيحتفظ بمكانة كبيرة في سجل التاريخ كموحد لليمن، بدلا من أن يخرج من التاريخ كمدمر لليمن. ومن الواضح أن التاريخ سيذكره، مثلما يذكر محمد سياد بري في الصومال لا أكثر ولا أقل.

الأوضاع حاليا في الشمال والجنوب أخطر مما يتصور الرئيس ومستشاروه، لأنها خرجت من إطار التحكم ولم يعد هناك أي مجال لاستخدام الأساليب المعتادة في معالجتها، باللجان والمراوغة، والتسويف والمماطلة، ولم يعد أحد لا في الداخل ولا في الخارج يثق في السلطة الحالية سوى قلة من المنتفعين. وهناك فرصة واحدة ووحيدة أمام الرئيس إذا أراد أن يحافظ على الوحدة، وهي التضحية بالكرسي من أجل الوحدة بدلا من التضحية بالوحدة من أجل الكرسي.

وإذا لم يبادر الرئيس بهذه الخطوة الأخيرة فإن التداعيات معروفة، وسوف يخسر الكرسي والوحدة معا، لأن الأوضاع تختلف عما كانت عليه عام 1994 عندما نشب صراع بين جيش وجيش، فهذه المرة سيكون الصراع بين جيش وشعب، وقد أصبح الجنوب موضوعا حاليا تحت المجهر الدولي، ويترقب الجميع ماذا يمكن أن يحصل فيه بعد أن أصبحت معظم محافظات الجنوب كفوهة بركان. ويبدو أن هناك اجماعا اقليميا ورغبة دولية لتغيير النظام الفاشل في اليمن من أجل الحفاظ على الوحدة. ولكن الوحدة التي دعت السفارة الأميركية للوقوف معها، ليست الوحدة الحالية، وإنما الوحدة المقرونة بالديمقراطية والمساواة في المواطنة، الوحدة التي تتيح المشاركة السياسية للجميع بلا استثناء، وهناك إشارات ضمنية كثيرة أرسلت للرئيس لكنه قد لا يلقطها إلا بعد فوات الأوان. وإذا ما تورط الرئيس وحاشيته في ارتكاب جرائم إبادة جماعية في الجنوب ضد المدنيين العزل، من أجل وحدة النظام القروي الأسري الذي يقف على رأسه، هذا الرئيس فإن ذلك سيقضي على الوحدة للأبد، وسيؤدي إلى ظهور دعوات داخلية وخارجية لإجراء استفتاء في الجنوب لتخيير أبنائه بين الوحدة والاستقلال. وهذا النمط من الاستفتاء سوف يرفضه الرئيس بالطبع في البداية كعادته، ثم يضطر للتفاوض عليه بإشراف دولي وإقليمي، الأمر الذي سيجعله يتمنى بعد ذلك لو أن عقارب الساعة تعود إلى الوراء ويعود الأمر إلى ما كان عليه عام 2006 ليقدم استقالته ويرحل سلميا.

مازال المجال الآن مفتوحا ونحن على مشارف حرب أهلية لم تندلع بعد، أن يبادر أهل الحل والعقد وعقلاء اليمن بالتوجه إلى دار الرئاسة، وتقديم ضمانات للرئيس ولأفراد أسرته، بأنهم لن يتعرضوا للمساءلة والمحاسبة، ولن تفتح ملفات الماضي، على أمل أن يثبت الرئيس للعالم بأنه وحدوي فعلا وأنه مستعد للتضحية بالمنصب في سبيل الوحدة. وما لم يفعل الرئيس ذلك فإنه سيثبت لليمنيين أن همه الوحيد هو الكرسي وليس الوحدة وأنه مستعد للتضحية بالوحدة من أجل الكرسي، وليس العكس، وهذا يتضح من خلال ممارساته وسياساته. مع العلم أن الرئيس شخصيا لم يضحي حتى الآن بأي شئ من أجل الوحدة التي يفاخر بها، وكل التضحيات جاءت من غيره، وكان هو أكبر المستفيدين من الوحدة، وأكبر الناهبين لأرض الجنوب، وما تزال مزرعته في أبين تشهد على ذلك. وعلى الأرجح، أنه سيتمسك بالكرسي وليس بالوحدة، فيخسر الوحدة والكرسي معا كما أسلفنا. وأنا هنا اتفق مع ما طرحه الأستاذ الدكتور محمد عبدالملك المتوكل في أحد مقالاته، بأن الحاكم يجب أن يشعر بالأمان على حياته، وعلى مصير أسرته، حتى لا نكرر مآسي الماضي، وحتى يقبل هذا الحاكم بالتغيير السلمي. ولكن الخطير في الأمر أن القيادة الحالية تعمل بإدراك أو بغير إدراك كل ما في وسعها لتفتيت اليمن حتى لا تقوم دولة بعد الانهيار، وحتى لا تفتح ملفات يحاسب عليها المتسببين عن جرائم مستمرة منذ 31 عاما، ولنا في الصومال أكبر عبرة لأنه لا يوجد هناك من يمكن أن يحاسب أسرة سياد بري على ما فعلت بأهل الصومال بعد أن تم تدمير الدولة وتشريد الشعب.

ومن أجل حقن الدماء، فإني أقترح على علماء اليمن أن يصدروا فتوى دينية للجيش والأمن بأن دم اليمني على اليمني حرام، وان القتال دفاعا عن مصالح الفاسدين وكراسي المتسلطين المتشبثين بالسلطة على حساب مصالح الشعب الإستراتيجية، لا يجوز. الجيش والأمن مسؤوليتهما الدستورية هي حماية المواطن، وعرضه وماله، وليس الاعتداء عليه ونهب أراضيه، وقصف ممتلكاته. ومن حق هذا المواطن أن يدافع عن ماله وعرضه وأرضه، إذا ما تعرض للاعتداء من قبل المستبدين، سواء كان في الجنوب أو في الشمال ومن حقه أيضا أن يعبر عن رأيه بعيدا عن تقديس الأشخاص أو عبادة الرموز، كما أن حياة الناس أقدس من الوحدة. أما المتشبث بالكرسي باسم الوحدة فلن يبق للأبد في السلطة، وسيكون لطغيانه نهاية.

ويبقى القول بأن اليمن أصبحت الآن أمام خيارين فإما التغيير وإما التشطير، فإذا لم يتحرك المواطنون في شمال الوطن لتغيير الأوضاع وإبعاد الفاسدين من سدة الحكم، والخروج إلى الشارع احتجاجا على ما يجري لأخوانهم في الجنوب، فلن تستمر الوحدة، ولا أظن أننا محقون في لومنا لإخواننا في الجنوب على عدم قبولهم بالظلم والفساد والنهب والاضطهاد، ونحن لم ننظم أنفسنا في حراك مماثل. وربما أننا نعاني من ظلم مماثل في المحافظات الشمالية، ولكننا اخترنا الخضوع والسكينة، ولدينا معارضة مدجنة، وبالتالي فمن حق الجنوبي أن يعمل على تحرير نفسه من هذا النظام، وليس من حقي كشمالي أن أطالب أبناء الجنوب أن يأتوا إلى صنعاء لتحريري من السجانين، وإذا ما استمر الصمت على نهب الأراضي في الحديدة وفي صنعاء وعلى ممارسات الفاسدين، فإن الوحدة ستظل في خطر إلى وسيبقى كرسي الرئيس.

No comments: